عرف المغرب منذ القدم، تنظيما ماليا محكما عن طريق مؤسسات مالية، كان يطغى عليها الطابع الديني التقليدي، لكنه رغم ذلك، كان يعتبر تنظيما ماليا منظما يسهر عليه السلطان، إلى جانب أشخاص يعرف عليهم الأمانة، إعطاء الحق حقه،حيث كان يطلق عليهم إسم "الأمناء" لكن ستؤدي بعض الظروف والأسباب إلى تظهور هذا النظام، منها اللجوء إلى الإقتراض المفرط من الخارج، والتدبير الغير معقلن، فكل هذا سيؤدي بالدولة المغربية إلى الدخول في قفص الحماية الفرنسية، وهذه الفترة التي سيعرف فيها المغرب نقلة نوعية في المجال المالي، إذ سيقوم المستعمر الفرنسي بإدخال أساليب متطورة بإحداث مؤسسات مالية عصرية وإلغاء المؤسسات المالية التقليدية، وبعد الإستقلال وهي الفترة التي سنتوسع فيها في هذا البحث لإبراز النظام المالي المؤسساتي الحالي، حيث أن المغرب لما إستقل عن المستعمر الفرنسي، قام بإدخال تغييرات مهمة على المؤسسات المالية، لكي تستقل عن المؤسسات المالية الفرنسية ومغربتها، وبالتالي أحدث مؤسسات مالية جديدة، ومنح لها إستقلالا ماليا، والتي كانت لها أهذاف متنوعة فهناك مؤسسات لها هذف مالي ونقدي، ومؤسسات ذات هذف إقتصادي وإجتماعي.
ترتب على رحيل الإستعمار، فراغا قانونيا وتنظيما على مستويات مختلفة، يهمنا منها المجال المالي، ذلك أن السلطات المغربية وأمام إستحالة إستمرار خضوع مالية البلاد لرقابة هيئات العليا الفرنسية لما في ذلك مس بالسيادة الوطنية، وسعيا من المغرب تكريس الإستقلال المالي فقد بادر إلى تأسيس وزارة للإقتصاد الوطني والمالية بمقتضى ظهير 1956 على أنقاض المديرية العامة للمالية العامة المؤسسة على عهد الحماية، ثم أنشئ في مرحلة ثانية جهازا مركزيا للمراقبة تجسد في اللجنة الوطنية للحسابات المحدثة بظهير 14 أبريل 1960، التي أناط لها المشرع مهمة إجراء المراقبة على المحاسبين العموميين فيما يتعلق بالنفقات العمومية، غير أن تجربة هذه اللجنة لم تلبث أن فشلت لإعتبارات متعددة، أهمها محدودية إطارها القانوني، وضعف وسائلها البشرية، فضلا عن تبعيتها المباشرة لوزارة المالية، مما حد من دورها وفعاليتها في القيام بالمهام، التي حددت لها، وأمام هذا الوضع، كان لابد من التفكير في خلق جهاز مركزي أكثر إستقلالية وفعالية، يتوفر على الصفة والوسائل اللازمة التي تجعل منه جهاز أعلى للرقابة القضائية على المالية العمومية، وهو ماسيتم فعلا بإحداث المجلس الأعلى للحسابات سنة 1979 ، ليكون الوريث الشرعي لمهام وإختصاصات اللجنة المذكورة، والذي سنتولى معالجته في المبحث الثالث من هذا البحث
وهي جهاز حكومي تابعة للدولة مكلف بتسيير وتنظيم ماليتها، ولذلك لايمكن التكلم عن المؤسسات المالية بدون ذكر هذا الجهاز من خلال الدور الذي يلعبه
وزير المالية الذي يكون على رأس هذه الوزارة بحيث يقوم بإعداد مشروع قانون المالية من خلال مسطرة تحضير المشروع، إذ يقدم في 15 ماي من كل سنة عرضا أمام الحكومة يوضح فيه ظروف تنفيذ قانون المالية السنة الجارية، وكذا التوجهات العامة التي يجب أن يأخذها بعين الإعتبار، بعد ذلك يطلب من مختلف
الوزارات تقديم مقترحاتها المالية، هذا بالإضافة إلى أن وزارة المالية تعتبر جهاز مراقبة المؤسسات المالية العمومية، كالمرقبة التي يقوم بها وكيل الوزارة على مكتب الصرف، ومن خلال أجهزتها التي وضعت لهذا الغرض
وكذالك الدور التي تلعبه الأجهزة المالية التابعة لها والتي تصنف كالتالي من خلال المطلب التالية - مراقبة الإلتزام بنفقات الدولة
يشكل هذا الجهاز التابع لوزارة المالية أحد أقدم الأجهزة الرقابة المالية بالمغرب، فقد أحدثت رقابة الإلتزام بنفقات الدولة على عهد الحماية بموجب ظهير 20 دجنبر 1921، وأعيد تنظيمه عبر تعديلات متوالية قبل أن يصبح مرسوم 30 دجنبر 1975 قاعدة الإختصاص الرئيسية التي يعمل بموجبها إلى يومنا هذا
وتعتبر مراقبة الإلتزام بنفقات الدولة أهم أشكال المراقبة الإدارية السابقة التي تجري على تنفيذ الميزانية، خاصة في مجال النفقات العمومية، وتهدف بالدرجة الأولى إلى مراقبة المشروعية المالية للنفقة، ومدى مطابقتها مع القواعد والنصوص القانونية، تفاديا إلى التجاوزات التي تمس المالية العمومية
ويعتبر كذلك هذا الجهاز إحدى أهم المديريات التابع لوزارة المالية، والتي يسهر على تنظيمها وتسييرها المراقب العام، بالإظافة إلى وجود مركزيات لدى الوزارت الأخرى،(18 مراقبة مركزية) ومراقبة في الأقاليم والعمالات(46 مراقبة) فضلا عن المراقبات الجهوية، فهؤلاء المراقبون يعينون بمقتضى مراسيم تنفذ بإقتراح من وزير المالية، ويحدد إختصاصهم المرقب العام
تتبوأ المفتشية العامة للمالية مكانة مركزية وموقعا محوريا ضمن منظومة الرقابة المالية على المال العام، بالنظر إلى شمولية رقابتها من حيث الإختصاص أو المجال، حيث تتسع لتشمل جميع الأموال العمومية أيا كان مصدرها أو قيمتها أو مكانها
هذه الهيأة تمثل أهم جهاز إداري للتفتيش المالي بالمغرب، وتتبع مباشرة من وزير المالية، وقد أنشأت في البدايات الأولى للإستقلال بموجب ظهير 1960، وهي المختصة بالتدخل الواسع على مستوى المصالح العمومية في كل الوزارت والدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام والجماعات المحلية، وكل هيئة تستفيد
من دعم مالي تساهم به الدولة في رأسمالها
وكذلك على المحاسبين العموميين والآمرين بالصرف، القيام بكل التحريات التي
تهم تدبير المال العام، وتعتمد في عملها على عنصر المفاجأة، إذ تقوم بدورات
تفتيش مفاجئة للإدارات، تحدد حسب دواعي الإختيار إما بناء على طلبات التدخل من قبل الوزاراء أو مسؤولي المصالح المعنية، أو بناء على تلقي شكاوي أو إشاعات مؤكدة أو بإقتراح من المفتش العام
تعتبر الخزينة العامة جهازا مركزيا تابعا لوزارة المالية طبقا للفقرة الرابعة من الفصل الثالث من مرسوم 2.78.539 بتاريخ 22نوفمبر1978 بشأن إختصاصات وتنظيم وزارة المالية
وتتولى الخزينة العامة دور الرقابة على تنفيذ الميزانية العامة، إنطلاقا من السلطة التي يمارسها الخازن العام للمملكة على محصلي المالية الجهويين والإقليميين وكذا قباض الجماعات ... فهذه الخزينة تعتبر ثالث جهاز للمراقبة
وإذ يتمتع محاسبو الخزينة العامة بإختصاص عام فيما يخص تنفيذ عمليات المداخيل والنفقات العمومية، ويعتبر الخازن العام المحاسب الأسمى للمملكة والمحاسب الرئيسي للميزانية العامة للدولة، وهو بهذه الصفة يوجد على رأس التسلسل الإداري للمحاسبين العموميين، ويعين من قبل وزير المالية، وتتركز مهامه بشكل أساسي على مركزية جميع العمليات الناتجة عن تنفيذ قانون المالية وكذا الحسابات المنجزة على صعيد جميع المحاسبين العموميين، وتوجيه تقرير سنوي بشأنها إلى المجلس الأعلى للحسابات يضمنه قراراته ويعرض فيه ملاحضاته، بخصوص التسيير المالي للأجهزة التي قام بتصفية حساباتها المبحث الثاني : المؤسسة التشريعية(3)
هذه المؤسسة التي أنشأت مع أول دستور مغربي بعد الإستقلال( دستور1962) والذي إنعقد أول برلمان يوم 18 نوفمبر 1963 و كان يتوفر على مجلسين، مجلس النواب والمستشارين بحيث تم إلغاء هذا المجلس الأخير في ظل دستور 1970 وتم إعادته في ظل دستور1996
فهذان المجلسان يلعبان دورا مهما في المجال المالي سواء من خلال التصويت للمصادقة على مشروع قانون المالية (الفصل 50 من الدستور)، ذلك من خلال دراسته من لذن اللجان الدائمة وكذلك اللجان المؤقتة، حيث يرى المجلس ضرورة إحداثها، فلجنة المالية تحتل دورا مركزيا بالنسبة للجان الأخرى، من خلال دراسة مشروع قانون المالية، فاللجان الأخرى تقوم بدراسة هذا المشروع حسب القطاع المعني لها
أو من خلال المراقبة التي خولها الدستور للبرلمان كحق الأسئلة (الفصل56 من
الدستور) و التصويت بالثقة التي قد تؤدي إلى إستقالة الحكومة إستقالة جماعية إذا لم
تتوفر الأغلبية المطلقة المساندة لها، وهذه الوسيلة التي ينفرد بها مجلس النواب بالإضافة أنه يشترك مع مجلس المستشارين في تقديم ملتمس الرقابة الذي له نفس نتائج التصويت بالثقة (الفصل 76 والفصل 77 الفقرات5-6-7 من الدستور) بالإضافة إلى وسيلة لجان تقصي الحقائق وهي لجان مؤقتة، التي يكون لها دور في
البحث عن حقيقة أمور طارئة في المجال المالي مثلا(إختلاس المال العام ...) (الفصل42- الفقرات 2-3-4)
المبحث الثالث : المؤسسات القضائية
الفرع الأول : المجلس الأعلى للحسابات
يتولى هذا المجلس ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية، ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ونفقات الأجهزة الخاضعة لرقابته ، ويقيم كيفية قيامها بتدبير شؤونها، ويبدي مساعدته للبرلمان والحكومة في الميادين، التي تدخل في نطاق إختصاصاته، ويرفع إلى الملك بيانات عن جميع الأعمال التي يقوم بها، ويصدر المجلس الأعلى للحسابات ثلاث أحكام، (الحكم بالفائض، بالخصاص، إبراء الذمة المالية)
إذن للمجلس مجموعة من الإختصاصات وهي :1ـ التدقيق والبث في الحسابات 2ـ التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية 3ـ مراقبة التسيير 4ـ مراقبة إستخدام الأموال العمومية 5ـ مراقبة إستخدام الأموال التي يتم جمعها عن طريق إلتماس الإحسان العمومي
الفرع الثاني : المجالس الجهوية للحسابات
تمارس هذه المجالس على مستوى الجماعات المحلية وهيآتها، ولها نفس الإختصاصات التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات على مستوى الدولة
المبحث الثالث : المؤسسات المالية العمومية
بعد الإستقلال قام المغرب بإنشاء مؤسسات مالية على غرار الدول الأخرى ذات أهداف متنوعة إجتماعية وإقتصادية ومالية تساهم في تنمية البلاد
المطلب الأول : المؤسسات المالية ذات الأهذاف الإجتماعية الإقتصادية
الفرع الأول : مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي
الفقرة الأولى : تاريخ إنشاء الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي
وزارة المالية في قلب التدبير الحكومي