إذا كان الواقع التطبيقي للانعكاسات التربوية الخاصة بالرؤى الوضعية في المعرفة يعاني العديد من المشكلات التي تحتاج إلى إصلاح، وإذا كان الإصلاح والنهوض بنظامنا التعليمي يقتضيان التأصيل في ضوء الجذور الحقيقية لثقافتنا وعقيدتنا التربوية، إذا كانت الرؤية الإسلامية للمعرفة تنفرد بارتكازها على الوحي كمعطى سابق وتنطوي على مضامين تربوية يمكن أن تسهم بفعالية في توجيه النظام التربوي وجهة الإصلاح فإنها على الرغم من ذلك لم تنل من الاهتمام ما نالتع الرؤى الوضعية في الدراسات الفلسفية والتربوية
يمثل القرآن الكريم ـ بالنسبة للمسلم ـ عقيدة كلية، تعمل على تحديد تصوره إلى الإنسان والكون والحياة، نظراً لما يزخر به من قضايا وأفكار وموضوعات، ذات أبعاد خالدة، استوعبت الماضي، وتجاوزت إلى الحاضر، وامتدت بآفاقها نحو المستقبل، وفق منهج متميّز يمكن وصفه بمنهج الاستيعاب والتجاوز. ويظهر للباحث في ميدان التربية الإسلامية مدى صلة القرآن الكريم ـ بوصفه معيناً ثرّاً ـ بمعالجة مشكلات المجتمع، ثقافية كانت أم أخلاقية، أم سواها، بحسبانها جميعاً تداعيات تلقائية لتربية خَرِبة، أو ضعيفة في أحسن الأحوال
وتمثل نظرية المعرفة واحداً من المباحث الثلاثة الرئيسة للفلسفة العامة، كما يمثل الحسُّ فيها واحداً من مصادر المعرفة وطرائقها الرئيسة المعتمدة، ذلك أن نظرية المعرفة تعني البحث في طبيعة المعرفة، ومصادرها وطرائقها، وإمكان الحصول عليها أو حدودها. وهو ما يمكن أن ينعكس بدوره على جوانب النظرية التربوية وبعض من عناصر النظام التربوي بوجه عام على نحو موجّه وهادف
التربية السليمة هي تنمية جميع جوانب شخصية الإنسان، دون طغيان جانب على آخر، وهي عملية مستمرة مدى الحياة، فهي بذلك ميكانيزم يحتل الفضاء الزماني والمكاني لكل إنسان يدب على الأرض، وهذه الفلسفة التربوية الشاملة والكاملة تنطبق بامتياز على النظرية التربوية الإسلامية
إن التربية الإسلامية تنظر للإنسان ككائن متكامل، الغاية من وجوده توحيد الله وعبادته، ولا يمكن أن تتحقق هذه الغاية السامية، إلا بإعداد المسلم إعداداً يأخذ بعين الاعتبار الجانب الروحي والعقلي والخلقي والجسمي، ويتفرع عن هذه الأربعة كل الجوانب الأخرى كالتربية الجمالية و السياسية و الاجتماعية و البيئية...إلخ
قد نبه علماؤنا قديماً وحديثاً على ضرورة تزويد طلاب العلم الشرعي بالقيم الإسلامية الرفيعة التي تجعل منهم قدوة، وأن عليهم العمل بما يقولون، وألا تبقى معلوماتهم الشرعية حبيسة الذاكرة، و أن تظهر ثمارها على جوارحهم، وعلى طالب العلم أن يتحلى بالقيم المستحبة والإيجابية، كالصدق وحب العمل وإتقانه والشجاعة واحترام الآخرين وعفة اللسان والمحافظة على الوقت...وغيرها من القيم
وللإشارة فان التحديات الدولية خطيرة، والنظام العالمي يسير نحو فرض المعرفة والقيم التربوية الغربية، ولن تكتفي العولمة بابتلاعنا سياسياً واقتصادياً، وإنما أخبث ما في العولمة بُعدها التربوي والثقافي والقيمي، ولقد بدأت بالفعل تبرز تشوهاتها في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية، أتمنى أن يتنبه الساسة والمربون والعلماء والدارسون إلى هذه القضية ويعطوها جهداً كافياً من البحث والدراسة وتقديم الحلول، وإذا لم نُعد النظر في منهجنا التربوي برمته، والموازنة بين غرس القيم بقدر تنمية المعرفة، فستصبح الأجيال المسلمة القادمة عاجزة عن فرض وجودها، السياسي والاقتصادي والحضاري، مقابل الوجود الغربي اللبرالي الصليبي