المجالس الجماعية بالمغرب
إن التنظيم الجماعي يحيل إلى مبدأ اللامركزية، التي تعترف بالوجود القانوني لكيانات ثانوية ذات شخصية معنوية ومتوفرة على صلاحية تدبير مصالحها الخاصة عن طريق أعضاء منتخبين، والمعروف أن العمل بالجماعات المحلية متجذر في تاريخ المغرب، فهو يعود إلى عهود ما قبل الهجمات القرطاجية حين كان يشرف على الجماعة مجلس يدير مصالح السكان الحيوية ويسعى إلى توفير حاجياتهم الضرورية بتعاون مع الجماعات القرى المجاورة المنضوية تحت لواء القبيلة، ولعل ما ميز التدبير الجماعي في تلك الفترة هو روح الديمقراطية وسيادة رأي الجماعة. وقد تعددت اختصاصات ومهام الجماعة آنذاك لتشمل الفصل في النزاعات بين الأفراد والتدخل في أمور الماء والري والزراعة، وبقي الأمر على هذا المنوال عند الفتح الإسلامي للمغرب الذي وطد استقلالية الجماعة بإلحاقها بالمؤسسات الرسمية للدولة أسوة بالحسبة والقضاء.وفرضت الحماية الفرنسية سنة 1912 محاولة ضرب المكتسبات التاريخية، ومستهدفة الجماعة في المقام الأول باعتبارها الوسيلة التنظيمية الأساسية للمغاربة القادرة على المحافظة على الهوية، هكذا ارتكزت سياسة الاستعمار على التقسيم العرقي للسكان وعلى التقاليد والعادات بغية النيل من وحدتهم غير أن عزة نفسهم أحبطت كل المناورات. واستمرت المقاومة إلى أن حصل المغرب على الاستقلال سنة 1956. ولقد عرف التنظيم الجماعي منذ ذلك التاريخ تطورا كبيرا. ونذكر في هذا السياق الظهائر التي أعطت اللامركزية أبعادا ثقافية واجتماعية واقتصادية، ظهير23 يونيو1960 وظهير 30 شتنبر 1976 وظهير أكتوبر2002
لقد مرا التنظيم الإداري للدولة الحديثة بعدة مراحل تخللتها أشكال مختلفة من الهياكل الإدارية، ولعل التنظيم الإداري الحالي يشكل أهم ما وصل إليه الفكر الإداري في المجال الديمقراطي وهو ما يتجلى عندما نلاحظ أنه بجانب الإدارة المركزية التي تدير تدبير دواليب الحياة العامة للنظام السياسي القائم- هناك الإدارة المحلية – التي تم خلقها لمواجهة المشاكل والتحديات المحلية، حيث أصبح من الصعب على المركز أن يواجه هذه المشاكل المحلية أمام ما تتطلبه من سرعة وفعالية ونجاعة في المعالجة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي. هكذا فالإدارة المحلية هي مجموعة من الأجهزة المنتخبة ذات الشخصية المعنوية، تعمل على تدبير الشؤون المحلية وذلك بتعاون مع ممثلي السلطة المركزية وتحت وصاية هذه الأخيرة وهي تجسيد واقعي لأسلوب اللامركزية، وتبعا لذلك فاللامركزية الإدارية هي أسلوب ديمقراطي يخول بمقتضاه المشرع سلطات تقريرية للأجهزة التي يتم انتخابها على المستوى المحلي" الأجهزة الجماعية المنتخبة" ضمن النطاق المحدد لها قانونا وتحت إشراف رقابة السلطة المركزية ، فالإدارة المحلية شكلت اهتماما بالغا للدولة المغربية وذلك منذ السنوات الأولى لحصول المغرب على الاستقلال وهي في الوقت الراهن محط اهتمام كبير، وذلك بحكم الدور الأساسي الذي تلعبه في البناء الديمقراطي، وهي أداة فعالة للتنمية إذ تتميز بإدارتها القريبة من المواطنين. تؤهلها لإدراك طبيعة الحاجات والمطامح المحلية. ونظرا لكون الإدارة المحلية تنبع من صميم المجتمع فهي تعمل على تأكيد وحدته وإشراك السكان في التسيير وتشكل الزاوية الأساسية في البناء الديمقراطي مما يكسبها أهمية قصوى في العالم المعاصر وتعني الإدارة المحلية دراسة تنظيم الجهاز السياسي للدولة وتنسيق العلاقة بين الهيآت المركزية والمنظمات المحلية فهي حالة من اللامركزية.
اختصــاصـــات المجـــلس الجمـــاعي
ويتعلق الأمر بإحداث نظام وحدة المدينة ومجلس يجمعها بمساعدة مقاطعات في أفق تدبير شؤون المدينة الواحدة برؤية شمولية ومتكاملة. وكذا بتوسيع صلاحيات المجلس الجماعي ورئيسه.
تنقسم اختصاصات المجلس الجماعي إلى ثلاث أنواع، الأولى ذاتية، والثانية قابلة للنقل، والثالثة استشارية يمارس المجلس الجماعي في نطاق الميثاق الجماعي الجديد اختصاصات ذاتية بالغة الأهمية تضعها في قلب المشروع التنموي في بعديه المحلي والجهوي، وتتوزع هذه الاختصاصات على الشكل التالي:
- التنمية الاقتصادية والاجتماعية
حيث يدرس المجلس الجماعي مخطط لتنمية الاقتصادية، والاجتماعية للجماعة ويصوت عليه طبقا لتوجهات وأهداف المخطط الوطني.
وضع برنامج تجهيز للجماعة واقتراح كل الأعمال الواجب إنجازها بتعاون أو شراكة مع الإدارة أو جماعات محلية أخرى أو هيئات عمومية.
القيام بجميع الأعمال الكفيلة بتحضير وإنعاش تنمية الاقتصاد المحلي والتشغيل والرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة، خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة، والصناعة التقليدية والسياحة والخدمات.
وكذلك القيام بما ينعش ويشجع الاستثمارات الخاصة ولا سيما المتعلقة بالبنيات التحتية والتجهيزات وإنشاء مناطق للأنشطة الاقتصادية، ودعم المقاولات، كما يعمل على البث في شأن مساهمة الجماعة في مقاولات وشركات الاقتصاد المختلط ذات الفائدة الجماعية أو ذات الفائدة المشتركة بين الجماعات والعمالات والأقاليم والجهات، والهيئات العمومية، أو الخاصة بالفاعلين الاجتماعيين.
تحديد شروط المحافظة على الملك الغابوي واستغلاله، واستثماره .
- المالية والجبايات والأملاك
يدرس المجلس الجماعي الميزانية والحسابات الإدارية ويصوت عليها، كما أنه يقرر فتح حسابات خصوصية واعتمادات جديدة أو رفع مبالغ اعتمادات وتحويل اعتمادات من فصل في الميزانية إلى آخر. وله في نطاق القوانين المعمول بها أن يحدد سعر الرسوم وتعرفة الوجيبات ومختلف الحقوق التي تقيض لفائدة الجماعة مقررا في الاقتراضات والضمانات الواجب منحها.
ويبث المجلس في الهبات والوصايا الممنوحة للجماعة، ويسهر على تدبير الأملاك الجماعية والمحافظة عليها وصيانتها ولذلك يقوم بتحديدها، وترتيبها وإخراجها من حيز الملك العمومي، مع البث في الاقتناءات والتفويتات، والمعاوضات والاكتراءات، وكل المعاملات المتعلقة بعقارات الملك الخاص، كما يقرر في شأن تخصيص أو تغيير البنايات العمومية والأملاك الجماعية طبقا للقوانين المعمول بها
- التعمير وإعداد التراب الوطني
وفي هذا الباب يسهر المجلس الجماعي على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصماميم التهيئة والتنمية وكل الوثائق المتعلقة بإعداد التراب والتعمير، ويصادق على ضوابط البناء الجماعي، كما يقرر في إنجاز أو المشاركة في إنجاز مشاريع إعادة الهيكلة العمراني، ومحاربة السكن غير اللائق، وصيانة وتأهيل المدن العتيقة، فضلا عن تقريره في المشاركة وإنجاز برامج تتعلق بالسكنى، وصلاحياته في التشجيع على إحداث تعاونيات سكنية وجمعيات للأحياء، مع الحرص على الخصوصيات الهندسية المحلية وإنعاشها.
.المرافق و التجهيزات العمومية المحلية
يقرر المجلس الجماعي إحداث وتدبير المرافق العمومية الجماعية وبالأساس في القطاعات التالية:
التزود بالماء الصالح للشرب توزيعه ونفس الأمر بالنسبة للطاقة الكهربائية والإنارة
تطهير السائل وجمع النفايات وإيداعها حيث تعالج
توفير النقل العمومي الحضري، وتنظيم السير والجولان وتشوير الطرق العمومية
نقل المرضى والجرحى والعناية بالمقابر ومرفق نقل الأموات.
وللمجلس أن يقرر في طرق تدبير المرافق الجماعية بكل طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية، كما يقرر في إنجاز أو المساهمة في تنفيذ التجهيزات والمنشآت المالية المخصصة للتحكم في مياه الأمطار أو الوقاية من الفيضانات، وكذا تهيئة الشواطئ والممرات الساحلية وضفاف الأنهار في الجماعات المعنية.
- الوقاية صحية والنظافة والبيئة
يسهر المجلس على ضمان الوقاية الصحية والنظافة وحماية البئة .
- التجهيزات والأعمال الاجتماعية والثقافية
يتكلف المجلس الجماعي بالمساهمة في إنجاز وصيانة تدابير التجهيزات المذكورة بحيث يسهر على توفير المراكز الاجتماعية ودور العمل الخيري ومأوي العجزة، وكذا دور الشباب والمراكز السنوية ورياض الأطفال، وعلى المستوى الثقافي يتحمل المجلس مسؤولية إنجاز وصيانة المركبات الثقافية (مكتبات جماعية، مقاصف، مسارح، معاهد فنية وموسيقية)، والأمر نفسه بالنسبة للمركبات الثقافية كالملاعب، قاعات، معاهد
ولأجل تنشيط كل المستويات السابقة يتخذ المجلس الجماعي ويقوم بكل الأعمال الضرورية لذلك، من قبيل الدخول في شراكة وتعاون مع الهيآت العمومية المكلفة بالقطاعات المعنية، والمنظمات والمؤسسات غير الحكومية، ودعم وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني العاملة في الميادين الاجتماعية والثقافية والرياضية، في أفق تنمية الوعي بالمصلحة المحلية العامة، فضلا عن انخراط المجلس الجماعي في تنفيذ البرامج الوطنية والجهوية والمحلية لمحاربة الأمية، مع المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وإنعاشها.
- التعاون والشراكة
يقوم المجلس الجماعي بجميع أعمال التعاون والشراكة التي من شأنها أن تنعش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعة، وذلك مع الإدارة والأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين الخواص، وكذا مع جماعات أخرى أو منظمات أجنبية.
- اختصاصات أخرى
كما سلف يباشر المجلس الجماعي بالإضافة إلى الاختصاصات الذاتية باعتبارها القلب النابض والمحرك الأساسي للتنمية المحلية، اختصاصات أخرى وهي
- إنجاز وصيانة مؤسسات التعليم الأساسي والمراكز الصحية
- إنجاز وصيانة مراكز التكوين والتأهيل المهني
- إنجاز وصيانة البنايات التحتية والتجهيزات ذات الفائدة الجماعية
- تكوين الموظفين والمنتخبين الجماعيين
- إنجاز برامج التشجير وتحسين وصيانة المنتزهات الطبيعية الموجودة داخل النفود الترابي للجماعة
ـ اختصاصات استشارية
يقترح على الدولة وعلى الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، الأعمال الواجب القيام بها لإنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعة المحلية في حالة تجاوزها نطاق اختصاصاتها أو قصور وسائلها عن الاضطلاع بها
يطلع على كل مشروع بقرر إنجازه من طرف الدولة أو أية جماعة أو هيأة عمومية أخرى بتراب الجماعة
يبدي رأيه حول سياسات وتصاميم إعداد التراب والتعمير في حدود المجال الترابي للجماعة ونفس الأمر حول مشاريع وثائق التهيئة والتعمير طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها.
يبدي رأيه في كل كا تطلبه منه الدولة أو غيرها من الجماعات العمومية الأخرى مع إمكانية تقديمه بعض الملتمسات ذات الفائدة الجماعية باستثناء الملتمسات ذات الصبغة السياسية.