تخليق الإدارة
" إن الأخلاق هي أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها وتنهار بانهيارها" . وبما أن الدولة أضحت وظيفتها في ظل المتغيرات المعاصرة هي قيادتها للمجتمع نحو التنمية، فإن التنمية الإدارية يمكن اعتبارها عملية أخلاقية بالأساس تنحو بدورها لقيادة المرفق العام نحو التخليق من كل الشوائب الذي يعرفها على هذا المستوى قصد القضاء على الفساد المطبق حوله وداخله، وذلك انسجاما مع عناصر هذا التخليق الذي يكفل تعبيد المسار نحو مرفق عام يسوده مبدأ المسؤولية بكل تجلياتها.
التنمية الإدارية إطار جديد لتخليق المرفق العام
في الواقع يمكن في هذا الباب أن نستشهد بما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية حول دعم الأخلاقيات بالمرفق العام. إذ جاء " أن الأخلاق هي أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها وتنهار بانهيارها" . وبما أن الدولة أضحت وظيفتها في ظل المتغيرات المعاصرة هي قيادتها للمجتمع نحو التنمية، فإن التنمية الإدارية يمكن اعتبارها عملية أخلاقية بالأساس تنحو بدورها لقيادة المرفق العام نحو التخليق من كل الشوائب الذي يعرفها على هذا المستوى قصد القضاء على الفساد المطبق حوله وداخله (الفرع الأول) وذلك انسجاما مع عناصر هذا التخليق الذي يكفل تعبيد المسار نحو مرفق عام يسوده مبدأ المسؤولية بكل تجلياتها (الفرع الثاني
البعد الأخلاقي بالمرفق العام تجسيد للقضاء على الفساد يمكن القول أنه كتب الكثير عن الفساد. وذلك راجع لجذوره التاريخية القديمة، ويعني في مجمله الانحلال والتلف وسوء استعمال الموقع لمصلحة شخصية وتجاوز المصلحة العامة، ويجسد أيضا انحلال الخلاق بتعاطي الموظف للرشوة وسوء استخدام السلطة العامة لأغراض شخصية قصد الكسب الخاص، ويعبر في جوهره عن غياب المؤسسة السياسية الفعالة بتغاضيها وعدم قدرتها على مواجهة الإتجار بالوظيفة العامة والتعدي على المال العام. وتعيين الأقارب والأصدقاء في مواقع متقدمة وحساسة في الجهاز الإداري دون كفاءات ودون وجه حق . كما أن الفساد الإداري أصبح يسود ممارسة الأنظمة السياسية وبالتالي أنظمتها الإدارية ومرافقها العامة كيفما كانت درجة وأهمية هذه المرافق الإدارية. وفي ظل هذه الوضعية فإن الموظف العمومي تحوم حوله تلقائيا كل أنواع الشكوك والتساؤلات حول أخلاقياته الشخصية وحول ممتلكاته الشخصية قبل وبعد الوظيفة العمومية وحول نزاهة سلوكه . وتتجلى مظاهر هذا الوضع على نحو بين في الممارسات التالية من حيث القيادات التسلسلية يلاحظ:
عدم مراعاتهم الأحكام القانونية عندما يتصرف المسؤول التسلسلي انطلاقا من اعتبارات الوجاهة والمحسوبية والكيل بمكيالين في التعامل مع الموظفين، وفي التعامل مع الشركاء للهيئة التي يديرها ، وخاصة عند وضعه تعليمات تنفيذية عائمة غير واضحة وغير شفافة.
إن القيم الواجب احترامها في التدبير العمومي تماشيا مع مبدأ التخليق الواجب فيه قيادة سير المرفق العام والمتمثلة في:
- النزاهة والتجرد في اتخاذ القرارات مستهدفة المصلحة العامة دون المصلحة الخاصة والالتزام بما يقضي به القانون.
- الاستقامة بعدم الخضوع لأي ضغط خارجي يمكن أن يؤثر على أداء المسؤول لوظيفته.
- الموضوعية في كل ما يتعلق بالوظيفة العمومية (تعيين، عقود، تعويضات، امتيازات...) من حيث استناد الاختيار دائما على استحقاق المرشح.
- المسؤولية في التصرفات والقرارات
- الشرف بإعلان رجال الإدارة عن كل مصلحة خاصة يمكنها التأثير على قراراتهم
- الالتزام الذي يفرض التشبث بهذه المبادئ والرقي بها وإعطاء المثل الأعلى في هذا الاتجاه. فالالتزام بالقيم الأخلاقية وتحكم الإنسان في غرائزه، يحقق المزيد من السعادة وهذا هو طريق الخير. وإذا ما مات الضمير ماتت غرائز الإنسان بلا رادع وهذا هو طريق الشر.
لكن إذا كانت هذه المقاييس والقيم الهدف الأساسي من ورائها تخليق المرفق العام فإنه لابد من إرساء دعامة أخرى تعتبر الدعامة الأساسية لبلوغ هذا المطمح وهي إرساء دعائم دولة القانون عن طريق إخضاع الدولة وإجبارها على احترام القانون بمفهومه الواسع بحيث تكون جميع تصرفاتها قانونية أولا ثم بعد ذلك حماية حقوق الأفراد وحرياتهم بحيث لا يمكن النيل منها إلا عند الضرورة القصوى وحفاظا على المصلحة العامة، ولتحقيقها يجب على السلطات العامة أن تساوي في المعاملة بين جميع المواطنين المتوفرة فيهم نفس شروط الانتفاع من خدمات المرفق العام وإلزامية تحديد هذه الشروط بكيفية موضوعية ودقيقة غير تاركة المجال للمحاباة والتحكم