حكم الأربعين (أربعينية الميت) في الإسلام
أربعينية الميت هو اليوم الأربعون من وفاته، يجتمع فيه أهله والمعزون كاجتماعهم يوم وفاته، ولا يُعذر مَن يتغيب عن هذا الاجتماع عادة
واجتماعهم هذا؛ قد يكون لأغراض عدة: منها ما هو سامٍ ونبيل، كالدعاء للميت والترحم عليه، ومنها ما هو لغرض مذموم، كالمباهاة والرياء ونحو ذلك
وفي الواقع أنه ليس في هذا الاجتماع سوى تجديدٍ للحزن على أهل الميت، وتذكيرهم بفقيدهم، وتكليفهم بما لا يطيقون أحياناً، كالتفرغ لهذا الاجتماع وبذل المال والجهد لتأمين حاجياته ومتطلباته.
ـ حكمها في الإسلام
أما الأربعون كعدد للأيام أو الليالي فقد ورد ذكره في مناسبات عدة في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: 142]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في تكوين الخلق الإنساني في رحم المرأة: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا...الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما
وغير ذلك كثيرٌ هو ذِكْرُ الأربعين في النصوص الشرعية، إلا أن واحداً منها لم يتطرق إلى تشريع أربعينية الميت أو الحث عليه أو بيان فضلها، ليس ذلك فحسب؛ بل إن في نصوص الشرع ما يخالف هذه الظاهرة وينقضها تماماً
فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لا يُحَدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلا الْمَرْأَةُ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا...الحديث. رواه أحمد والطبراني. ففي الحديث صريحُ نهيٍ عن الحداد فوق ثلاثة أيام إلا للزوجة على زوجها، وهذه حالة خاصة بها
وللعلماء في تعزية أهل الميت بعد ثلاثة أيام أقوال كثيرة تركتها اختصاراً، والراجح من أقوالهم أنه لا تعزية بعد ثلاثة أيام إلا لضرورة، يقول النووي رحمه الله في الأذكار: والمختار أنها[أي التعزية] لا تفعل بعد ثلاثة أيام إلا في صورتين... وهما إذا كان المعزي أو صاحب المصيبة غائباً حال الدفن، واتفق رجوعه بعد الثلاثة
هذا؛ وإنه غالباً ما تكون نفقات هذا الاجتماع مستخرجة من حساب تركة الميت التي أصبحت من حق ورثته، وهذا بحد ذاته مصيبة، وأما إن كان في الورثة أطفال وقُصَّر فالمصيبة أعظم، حيث أن ذلك اعتداء على مالهم بغير وجه حق
ولو كان في هذا العمل وأمثاله فضيلة، أو مردود خير على الأموات أو الأحياء لما أغفله الشارع بطبيعة الحال
ـ أصل هذه العادة ومصدرها
يقول خير الدين الأسدي في الموسوعة: ولعل هذه الظاهرة مستمدة من المصريين القدامى الذين يحنطون الجثة مدة أربعين يوماً
والحقيقة أن هذه العادة وأمثالها؛ في طريقها إلى الاندثار، والحمد لله
وخلاصة ذلك
أن إقامة الأربعين للميت هي عادة وليست عبادة، بل وفيها تعارض مع النصوص الشرعية في هيأتها وأحوالها. والله تعالى أعلم